من بحوث المركز ..

الموازنـة المائيـة وتحديات الأمن الوطنـي ومستقبل التنميـة

د. سالم محمد عبـود

      يعد الأمن الوطني من الأولويات الأساسية لسيادة أي دولة وان تحقيق مقوماته تمثل أساسا للمجتمع وأن ضعف الأمن الوطني في منظوماته سينعكس على التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي فضلاً عن عملية صناعة القرار، لذا فالأمن الوطني يحقق كل الأبعاد الخاصة.

      إن الأمن الوطني قد يتسم معناه العام بالنهوض رغم كونه واضحاً في الذهن، فضلاً عن كونه عرضة للتبدل والتغير ولا يمكن حصر الأخطار التي تهدد الدولة سواء في المجال الداخلي والمجال الخارجي، ويمكن بلورة مفهوم الأمن ن الوطني من خلال مجموعة مبادئ وأسس تتلخص بما يأتي:

1. إن الأمن الوطني لا يحدد بزمان او مكان لأنه متغير ويتسم بالحركة وتطور الظروف المحيطة به.

2. إن الأمن الوطني يعطي الشرعية السياسية (الدستورية) من خلال ما تقدمه الدولة من خدمات لأفراد المجتمع.

4. إن الأمن الوطني لا يعني امن الدولة السياسية فقط وإنما تعدى ذلك ليشمل الأمن الإقليمي والدولي أيضا وكل ما من شأنه تهديد امن الدولة السياسي داخلياً وخارجياً.

5. ان تحقيق الأمن الوطني لا يتأتى إلا من خلال تحقيق جميع متطلبات الحياة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

     أما الموازنة المائية فنقصد بها كمية المياه الساقطة على مساحة معينة من سطح الأرض كحوض مثلاً وبين مختلف أشكال التحول أو التوزيع الذي تسلكه هذه المياه من تبخر وجريان وتسرب نحو التربة والخزانات الباطنية للأرض.

     ولشحة المياه في العراق بسبب سياسيات دول الجوار قامت تركيا ببناء 14 سداً على نهر الفرات وروافده داخل أراضيها و 8 سدود على نهر دجلة وروافده فقد استخدمتها كوسيلة ضغط على العراق بالدرجة الأساس وهذا ما عكسه تصريح الرئيس التركي السابق (سليمان ديمريل) في مؤتمر صحفي في مطلع التسعينيات إذ قال (إذا كان النفط ملكاً للعرب فمياه دجلة والفرات ملكاً لتركيا) ومن ثم فتركيا اللاعب الرئيس في مشكلة المياه، أما سوريا فقد انشأت 5 سدود تحجز مليارات الأمتار المكعبـة من المياه. كما سعت إيران ومنذ الستينيات إلى تغيير مسارات عدد من الأنهار خاصـة في منطقتي الوسطـى والجنوبـية فهناك 18 نهـراَ أساسيـاً تصريفهـا المائـي يبلغ 7 مليارات م3 تنبع من غرب إيران لتصب في الأراضي العراقي فقامت بتحويل الروافد الأخرى في المنطقـة الشماليـة من العراق الذي حدث في نهـر الونـد تحديدا عام 1951 قامت الحكومـة الإيرانية بشق قناة من نهـر الونـد لإرواء الأراضي الواقعـة بيـن مدينتي (قصر شريـن) و (خسروي) فبلغ التدفق المائي فيهـا بنسبة 60% من مياه نهـر الونـد مما أدى إلى شق القناة وانخفاض كميات المياه خلال موسـم الصيف نحو الأراضي العراقيـة التي تعتمد على مياه النهـر لري مساحات زراعيـة قدرهـا 50 ألف دونم من أراضي قضاء خانقيـن. كل هذه العوامـل أدت إلى ان تعانـي الموازنـة المائيـة في العراق من اضطرابات عديدة خسـر العراق أثرهـا 40% من أراضيـه الزراعيـة.

     تعرضت شبكات الصرف الصحي لإصابات بالغة في حروب النظام الكارثية وتسربت المياه الثقيلة والفضلات الصناعية إلى المسطحات المائية وارتفعت مناسيب الملوحة في التربة والكدارة في المياه وتلوثت مياه الأنهار وأصبحت تسمم أبناء الوطن لما سقط فيها من أسلحة سامة وجثث لمئات الجنود العراقيين أثناء حروب النظام الكارثية وجثث لآلاف العراقيين من ضحايا إرهاب الطائفية السياسية، وتحوي المواد الكيمياوية العضوية وغير العضوية التي تشكل الفضلات على عناصر سامة مثل الباريوم والزركونيوم مواد سامة جدا مثل الرصاص والفضة والنحاس والنيكل والكوبالت والذهب والزئبق، كما ساهم انخفاض الطاقة التشغيلية لمحطات تصفية مياه الشرب وتوقف محطات تصريف المياه الثقيلة وشبكة تصريف مياه الأمطار بسبب عطل المضخات والحفريات القائمة بدون تخطيط وعدم توفر قطع الغيار الاحتياطية في الدمار الحياتي والبيئي البطيء في العراق.

     ينزلق العراق مجددا نحو أزمة مائية هي الأخطر التي يتعرض لها منذ نصف قرن وصفها المسؤولون والخبراء في بغداد بأنها فجوة مائية خسر العراق جراءها 40% من أراضيه الزراعية بعد تاريخ طويل من العلاقات المتوترة مع من حاولوا ويحاولون دائما اقتناص الفرص المناسبة لسلبه حقوقه في مياه دجلة والفرات التي ضمنتها اتفاقات ثنائية وأخرى دولية ملزمة.

 

Comments are disabled.