الحلقة النقاشية … النشر العلمي العالمي في اطار جودة الاداء الجامعي
م. م وصال عبدالله حسين / مركز بحوث السوق وحماية المستهلك
يكاد لا يختلف اثنان حول اهمية الانتاج المعرفي وتأثيره البالغ ليس فقط على المُنتج (الباحث) نفسه بل على المؤسسة العلمية التي ينتمي اليها وبالتالي مساهمته في دفع عجلة التقدم العلمي للبلد لما لذلك من دور في خدمة البشرية ورقي المجتمع يعني الانتاج المعرفي ، تأليف الكتب ، اعداد البحوث العلمية ، تسجيل براءات الاختراع ، المشاركة في الندوات والمؤتمرات الدولية وغيرها.
الهدف منها توسيع المعارف وإضافة معلومات جديدة لما هو سائد او معروف سابقا لغرض نشرها لتخدم المسيرة العلمية وتستثير الطاقات الذهنية لمفكري وباحثي العالم لمواصلة البحث والتطوير، وان اي عمل يجري في الورش والمختبرات والمكاتب ولا ياخذ طريقه نحو النشر يبقى أسير بيد صاحبه ولا يمكن ان يُنتفع به الا بعد اطلاقه من أسره. 

عليه، فان ثمرة البحث العلمي تتحقق من خلال النشر في المجلات العلمية، ويأتي الحصول على الثمرة الجيدة من خلال اختيار المجلة التي تتناسب والانجاز العلمي ألمتحقق فكم من البحوث الاصيلة والقيمة التي ترتقي لان تكون ضمن براءات الاختراع او تنشر في كبرى المجلات الدولية المعروفة، الا اننا نجدها منشورة في مجلات ليس لها وجود على شبكة الانترنت، وحتى لو كانت لها مواقع على الانترنت، فلا يتم الاقتباس منها او اعتمادها كمراجع للبحوث التي تنشر في المجلات العلمية ذات المعايير المعتمدة دولياً. 
يعد النشر العلمي العالمي احد اهم المقاييس المستخدمة لتقدير مستوى جودة الاداء الجامعي، اذ لا قيمة للعلم اذا لم يتم نشره واتاحته لخدمة البشرية، وذلك من منطلق ان العلم عالمي النزعة، وان المعرفة لا وطن لها، حيث اصبحت ذات صبغة عالمية بفضل استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات التي سهلت التواصل بين العلماء والباحثين بغض النظر عن الحواجز الجغرافية ولقد شهدت الساحة العلمية تنافسا بين الباحثين النشطين للنشر في المجلات العالمية والمدرجة في Web  of Knowledgeقواعد بيانات شبكة المعرفة Thomson Reuters التابعة لمؤسسة ثومسون رويترز ، وهي مؤسسة عالمية مقرها مدينة نيويورك وهي اكثر مصدر معلوماتي يتصف بالموثوقية، فكما ان منظمة اليونسكو هي المرجع  للاعتراف بالجامعات الرصينة فان مؤسسة ثومسون تعد ايضا المرجع للاعتراف بالمجلات العلمية الرصينة في العالم. 

اهمية النشر العلمي العالمي: 
يحظى النشر العلمي العالمي بأهمية خاصة لاعتبارات عديدة منها: 
1- انه يمثل طروحات المتخصصين في موضوعات المعرفة الانسانية بفروعها المتنوعة.
2- يعد حصيلة لبحوث نظرية وتجريبية ودراسات ميدانية وتطبيقية تناقش المشكلات التي لها تأثير على المستويات المحلية والاقليمية والدولية
3- يسهم النشر العلمي بالارتقاء بالفكر الانساني.
4- يتمخض عن النشر العلمي معطيات تمثل نبراسا يرسم معالم ايجاد الحلول لما تعانيه البشرية من تحديات.
5- يطرح النشر الجاد العديد من التساؤلات والاستفسارات التي تمثل منطلقا لدراسات لاحقة
6- يرفع النشر العلمي مستوى تصنيف الجامعة وبالتالي الدولة من كونها دولة نامية الى دولة متطورة في الجانب العلمي والتقني. 
تزعمت الولايات المتحدة الامريكية دول العالم في مجال النشر العلمي فوفقا لتقرير مؤسسة ثومسون رويترز ظلت خلال العقود الثلاثة الماضية تحتل مركز الصدارة في هذا السياق، اذ احتلت قرابة 40% فوق المتوسط العالمي للنشر في جميع التخصصات العلمية والانسانية تجارب بلدان نامية في مجال النشر العلمي العالمي: 
استطاعت بعض الدول النامية ان تلحق بركب النشر العلمي العالمي في غضون مدة وجيزة، من تلك البلدان الهند التي تمثل في هذا السياق حالة جديرة بالتقدير، اذ استطاعت ان تفرض وجودها بقوة واستثمرت جهود باحثيها في المجالات العلمية والتقنية منذ نيلها الاستقلال في عام 1947 وحققت نجاحات علمية مرموقة، ومن ابرزها نتائجها في تحقيق الاكتفاء الذاتي بانتاج الحبوب الغذائية، والبرنامج الفضائي لاطلاق الاقمار الصناعية، وبرنامج الطاقة النووية للصواريخ المتقدمة والطائرات والتصدير في مجال التقنية الحيوية والمواد الصيدلية وخدمات تقنية المعلومات وغيرها من المجالات الاخرى. 
فضلا عن ذلك ما بذلته الهند من جهود منسقة للاستثمار في مجال البحث العلمي من خلال انشاء العديد من المرافق التي تخدم هذا الغرض مثل المعهد الهندي للبحث العلمي الذي اعتمد اعلى المعايير الدولية للنشر العلمي. 
لقد حظي تمويل البرامج البحثية في الهند باولوية خاصة وازدادت تبعا لذلك الميزانية المخصصة لهذا الغرض، حيث تضمنت موازناتها للمدة 2007-2012 زيادة قدرت باربعة اضعاف الخطط السابقة.

لقد انفقت الهند على النشر العلمي ما يقرب من 0.9% من ناتجها المحلي الاجمالي في عام 2009 ارتفع في عام 2012 الى نحو 1.2%  تشير التقارير الصادرة من مؤسسة ثومسون ان وصول الهند الى مراحل متقدمة من النشر العلمي بسبب توظيفها لنتائج البحث العلمي في تطوير الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن حرص الباحثين في هذا البلد على مشاركة زملائهم من دول اخرى في دعم صناعة النشر العلمي العالمي، ضمن هذا الاطار أظهرت الاحصاءات ان غالبية الباحثين في الهند يشتركون مع باحثيين اخرين من الخارج، وذلك على النحو التالي: 
1- بلغ عدد البحوث المشتركة من الهند مع الولايات المتحدة الامريكية نحو 10728
2- بلغ عدد البحوث المشتركة من الهند مع المانيا نحو 4284
3- بلغ عدد البحوث المشتركة من النهد مع المملكة المتحدة نحو 3646
4- بلغ عدد البحوث المشتركة من الهند مع اليابان نحو 3017
5- بلغ عدد البحوث المشتركة من النهد مع فرنسا نحو 2402
6- بلغ عدد البحوث المشتركة من الهند مع كوريا الجنوبية نحة 2074
7- بلغ عدد البحوث المشتركة من النهد مع الصين نحو 1665 
هناك حالة اخرى لا تقل اهمية عن سابقتها وتتمثل في دولة الصين التي قفزت في مجال النشر العلمي العالمي خلال السنوات الاخيرة مسجلة قفزة نوعية، فقد تضمن تقرير ثومسون رويترز الصادر في عام 2009 العديد من الحقائق حول النشر العلمي العالمي في الصين، اذ اشارت الى ان انتاج الصين من البحوث العلمية ازداد من 20000 ورقة في عام 1998 الى ما يزيد عن 112000 ورقة بحلول عام 2008 وفي فترة الخمس سنوات (2008-2012) بلغ انتاج هذه الدولة من البحوث المنشورة في المجلات العالمية حوالي 400000 ورقة في جميع المجالات، بما يعادل حوالي 8.5% من اجمالي البحوث المنشورة في المجلات العالمية ضمن قواعد بيانات مؤسسة ثومسون رويترز. 
يعود الفضل بتحقيق تلك النتائج الى الجهود التي بذلتها الدولة لتحسين بنية البحث العلمي وزيادة الميزانية المخصصة له، بذلك تخطت الصين اليابان والمملكة المتحدة والمانيا وهي حاليا بحسب تقارير مؤسسة ثومسون تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية، بل انها مرشحة خلال السنوات القادمة لتصدير معطيات بحثية ذات جودة عالمية مما يتيح الفرصة للمؤسسات المعنية بالبحث العلمي في بقية بلدان العالم للدخول في شراكات واتفاقيات مع مراكز البحث العلمي الصينية المرموقة للاستفادة من تجاربها المتميزة من ضمن تجارب بعض بلدان العالم النامي ما ورد في تقرير مؤسسة ثومسون رويترز حول البرازيل حيث حقق هذا البلد انجازات ملموسة في مجال البحث والتطوير والنشر العلمي وبالتالي التأثير في الاقتصاد العالمي، حيث فرضت البرازيل نفسها بقوة واثبتت وجودها على الساحة العالمية بغضون سنوات قليلة، فوفقا لما ورد في التقرير المتعلق بدول امريكا الجنوبية فان نسبة البرازيل من البحوث العلمية المنشورة في المجلات العالمية ارتفعت من 1.7% في عام 1990 الى 4.8% في عام 2008 وذلك نتيجة لتركيزها على بعض المجالات الحيوية التي تعتمد على التقنية والابداع. 
في عام 1981 بلغ نصيب البرازيل من حجم النشر العالمي 2000 بحث ارتفع الى 20000 بحث في عام 2008 
لقد تبين ان نتاجها المنشور خلال خمسة سنوات يمثل ما نسبته 1.83% من حجم النشر العالمي للمجلات في قاعدة بيانات شبكة المعرفة التي تمتلكها مؤسسة ثومسون رويترز. 
لعل من بين اسباب تقدم البحث والنشر العلمي في البرازيل اهتمامها بالنشر المشترك، حيث يحرص غالبية الباحثين على المشاركة مع باحثين اخرين من جنسيات ودول مختلفة.
اهمية المشاركة في مجال النشر العلمي العالمي 
تزداد قيمة هذا النوع من النشر التعاوني الدولي اذا كان من خلال المشاركة مع باحثين مرموقين في بلدان اخرى، وذلك من منطلق ان التعاون في مجال النشر العلمي يعكس ازدهار النشاط العلمي والبحثي في الدولة، فضلا عن تطلعها نحو مد جسور التعاون مع الباحثين بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية، وتشير الارقام الى ان البحوث العلمية المنفردة كانت تمثل بداية القرن العشرين اكثر من 90% من مجمل البحوث المنشورة، مقابل اقل من 10% للبحوث المشتركة، ارتفعت البحوث المنشورة المشتركة في نهاية القرن ذاته الى نحو 50% وهذه النسبة في ازدياد خاصة اذا ما اخذنا في الحسبان ان الاتجاه العالمي يميل نحو تأصيل فكرة البحوث المشتركة 
ضمن هذا الاطار أشار التقرير الصادر من مؤسسة ثومسون رويترز في عام 2008 الى ان قائمة المؤلفين في احدى المجلات البريطانية ضمت 2926 باحثا مشاركا من 169 جامعة ومؤسسة بحثية في مختلف دول العالم. 
كما تشير نتائج الدراسات العلمية الى ان الباحثين الاكثر انتاجية هم الباحثين الذين يتعاونون بشكل اكثر، الامر الذي يعزز وصول الباحثين المتميزين الى عدد اكبر من المتعاونين، ثم الحصول على المزيد من الموارد البحثية، والى تحقيق النجاح في النشر بالمجلات العالمية المتميزة، فقد اصبحت مشاركة العديد من الباحثين الذين يعملون في جامعات ومراكز بحثية مختلفة بأبحاث مشتركة عبر القارات منهجا علميا ومتطلبا ضروريا تفرضه طبيعة العصر والتعقيدات المتداخلة للتخصصات العلمية وهذا ادى بدوره الى ارتفاع المتوسط السنوي لعدد البحوث المشتركة المنشورة تختلف طبيعة الاسهام وحجمه في البحوث العلمية المشتركة، فقد تتمثل المشاركة في توفير الباحثين المتخصصين او التمويل او اجراء التجارب المعملية او تحليل النتائج او اعداد ونشر الدراسات، وهذا كله يتم وفق معايير معتمدة عالميا.
معنى ذلك، ان الاتجاه نحو انتاج المعرفة التعاونية يشكل ظاهرة تتزايد على المستوى العالمي، نتيجة لزيادة تقسيم وجدولة المشاريع البحثية بين الباحثين الذين ينتمون الى تخصصات علمية مختلفة، وزيادة حجم هذه التخصصات مما يستدعي نوعا من التكامل بين العلماء والمتخصصين الذين يعيشون في مناطق جغرافية متباعدة. 
يمكن تلخيص ابرز النقاط التي يتعين على جامعاتنا التركيز عليها لتحسين وضعية النشر العلمي للارتقاء بمستوى جودة الاداء الجامعي بالتالي: 
نشر الوعي باهمية النشر العالمي واشاعة ثقافة هذا النمط من النشر بين اعضاء الهيئة التدريسية
النهوض بالبحث العلمي ونشره على مستوى كل جامعة على انفراد تحسين وضعية الانتاجية العلمية من خلال تبني معايير عالمية في الطرح والمعالجة والمنهجية والنشر تشجيع الباحثين على الاسهام في عولمة المعرفة حيث لا يمكن ان يوجد تعليم عالي منعزل وغير منفتح على ثقافات اخرى. 
تحقيق الحضور العالمي للباحثين في الجامعات من خلال المشاركة في النشر العلمي وحضور المؤتمرات العلمية، بما يسهم في حصول الجامعة على اعتراف دولي اوسع وتعريف العالم بالبحوث والدراسات التي انجزتها الجامعات العربية دعم النشر العلمي العالمي بحيث يتصدر قائمة الاولويات في الجامعات المعاصرة لان ذلك يعد معيارا معتمدا في الحكم على مدى قيام الجامعة بدورها القيادي في التلاحم مع المجتمع البشري ودراسة ما يعانية من مشكلات. 
ان نشر البحوث العلمية التي يقوم بها اعضاء هيئة التدريس يشكل اهمية وطنية واقليمية وعالمية، وبالتالي فينبغي تشجيع هذه النخبة على النشر في المجلات العالمية المعتمدة ولعل الجامعات العربية احوج ما تكون الى ترجمة هذه الفكرة الى واقع ملموس، خاصة في ضوء التطورات المعاصرة والتنافس بين هذه المؤسسات على تحقيق الجودة والتميز في النشر العلمي وتمشيا مع الاتجاه السائد نحو عولمة المعرفة، فقد اصبحت حقا مشاعا للجميع من خلال نشرها والتعريف بها في الشبكة العنكبوتية العالمية. 
خلاصة القول، اننا نستطيع ان نستشف من خلال استقراء المعطيات السابقة المكانة التي يحتلها النشر العلمي العالمي في الجامعات المعاصرة، الامر الذي يحفز على تبني رؤية في هذا السياق، ووضع استراتيجية يتاح من خلالها للباحثين فرص الابداع وتعزيز روح العلم في البيئة الاكاديمية من خلال النشر في المجلات العلمية العالمية المعتمدة والتي اكتسبت سمعة مرموقة في الوسط العلمي، وبالتالي تسهيل الاتصال العملي والتبادل المعرفي. 

Comments are disabled.