معالجة البطالة حبر على ورق
أمل جمال
الظواهر الاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها في حركة المجتمع وتطوره تحتاج إلى واقعية في دراستها ومعالجتها وغالبا ما تكون بعض العلاجات هي بداية لتعقيد المشكلة نفسها والبطالة من الظواهر التي أصبحت معروفة أكاديميا واجتماعيا واقتصاديا ووصفت معالجتها ولكن إنها لمحنة كبيرة تلم بالفرد العراقي أن لا يكون مشاركا في بناء الوطن فحجم التحديات جعلت جيوشا من الموارد البشرية معطلة تحت مبررات متنوعة، فلابد من رسم سياسة إستراتيجية تلقي على عاتقها معالجة المشكلة ولا شك أن رسم هذه السياسة يبدأ من التعرف على أسباب المشكلة وحجمها الحقيقي وآثارها. إن ظاهرة البطالة تعني العجز عن إيجاد فرص عمل مناسبة للحصول على عمل ذي مستوى لائق. أما أسبابها فهي كثيرة فمن اثر الحروب والأزمات السياسية التي تعصف بالبلاد و عدم تناسب المدخلات المنهجية الجامعية ومخرجاتها مع متطلبات سوق العمل مما أدى إلى بطالة بين شريحة الدماء الشابة الكفوءة وهجرتها مما يعد فقدانا لثروة ومورد بشري هام يقع عليه عبء البناء والتحديث بما يمتلك من دافعية وتطلع نحو الحياة والعمل وكذلك إن ارتفاع معدل الفقر دفع بشريحة كبيرة من المراهقين الذين يفترض أنهم في سن التعليم الثانوي إلى ترك الدراسة والانخراط بالعمل لإعالة أسرهم إما بسبب فقدان معيليهم أو عجز الأسرة عن تحمل الأعباء الاقتصادية مما ولد تزاحما حول فرص العمل وكذلك تخلف القطاع الخاص عن الاستثمار والاتكاء على الاستيراد وعجز الأسواق العراقية عن التصنيع مما قلل فرص العمل هذه الأسباب تستدعي جهودا استثنائية لمعالجتها ولم يخف على أحد أضرار هذه الآفة وعلى امتداد السنوات الثمانية وتم الحديث عنها مراراً وعن آثارها فقد أعربت الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري عن قلقها إزاء ارتفاع نسبة الأمية والبطالة بين شباب العراق بعدان اظهر مسح قامت به أجهزة حكومية مع المؤسسات تابعة لها اتساع الفساد والرشوة والبطالة وفي الوقت ذاته حاولنا أن نتلمس أرقاما وإحصاءات تؤشر بنحو دقيق لحجمها الحقيقي إلا أنا وجدنا تفاوتا بالمعلومات والاختلاف في التصريحات بين تصريح وآخر فقد أصدرت وزارة التخطيط وثيقة تشغيل وطنية لإستراتيجية التشغيل في العراق والتي ستوفر ثلاث ملايين وظيفة في سقف زمني يمتد لثلاث سنوات وفي تصريح لوزارة التخطيط لإحدى الإذاعات العراقية قيل إن نسبة البطالة انخفضت إلى 11%.
وفي مضمون تصريح صحفي لوزير العمل والشؤون الاجتماعية أن نسبة البطالة في العراق 15% وان موضوع البطالة معقد ولا يمكن لأي وزارة أن تعالج هذا الموضوع. إن ارتفاع مستويات البطالة بين شبابنا ينذر بكارثة اجتماعية أولا واقتصادية ويؤدي إلى انحراف الأخلاق والعنف والمخدرات والجريمة الاقتصادية مما يضعف الاقتصاد ويولد التضخم أما من الناحية السياسية فهو وقود للإرهاب والعمل لدى الأحزاب والجماعات المسلحة ورغم كل هذه الخطورة التي أشار إليها الخبراء والاقتصاديون إلا انه لا توجد سياسة واضحة لمعالجة هذه الظاهرة فمثلا النفط هو المصدر الرئيس للميزانية العراق وتستثمر به العديد من الشركات العالمية إلا انه لا توجد اتفاقيات أو بنود تنص على توظيف العمالة العراقية رغم صدور قرار من مجلس الوزراء بتوظيف يد عاملة عراقية بالشركات الأجنبية بنسبة 50% إلا أن الشركات رفضت الإجراءات والقرارات الحكومة العراقية وجاء رد الشركات المستثمرة في إحدى الصحف المحلية “أن على الحكومة العراقية أن تزج عمالها بدورات تدريبية وتأهيلية قبل أن تطالب من الشركات احتواءهم في مشاريع التي تفوز بها للعمل فيها لان ذلك سيربك عمل الشركة ويفقدها السمعة الجيدة التي حافظت عليها سنوات عديدة” وأيضا مشكلة البطالة لا تحل بمجرد توفير درجات وظيفية مدنية أو عسكرية بل بوضع سياسة امتصاص للبطالة فهناك الكثير من الحلول والتي نادي بها العديد من خبراء الاقتصاد وأهمها توسيع الاستثمار والقروض الإنتاجية المتوسطة وسنّ قانون التقاعد الإلزامي وإنشاء مراكز تدريب وتأهيل وإيجاد شبكة حماية اجتماعية وإنشاء هيئة أو مركز متخصص بالسكان النشطين اقتصاديا ووقف استيراد العمالة الآسيوية وإيجاد قاعدة معلوماتية متكاملة ومراقبة الدخل للفرد العراقي وأيضا استيراد تجارب الدول في هذا المجال إلا أن البطالة تدور في حلقة مفرغة مع الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة والذي يجعل جميع الحلول حبر على ورق ويتطلب الموضوع جدية في المعالجة و أن تكون سياسة الحكومة الجديدة امتصاص البطالة بنحو مرحلي يتناسب مع تأهيل البنى التحتية ويعزز بناء الاقتصاد ويدعم سوق العمل ويحقق الرفاه للأفراد.