الإعلانات التجارية والوجه الآخر للاستهلاك

ثائر علوان المعيني

تتعرض الأمم والحضارات الى أبرز السلبيات إلا وهو استشراء داء الاستهلاك الجائر في نفوس أبنائها، إذ ينمي هذا الاستهلاك في الإنسان صفة الترهل، لإشباع حاجاته ورغباته وأذواقه مهما كانت دوافعه، وقد يبعده عن القيم الفاضلة، ويرى عدداً من الشرائح الاجتماعية تنعم بكل ما لذ وطاب، وتقوم برمي أطنان من الأطعمة في سلات القمامة، ولكن هناك ملايين من البشر يتعرضون لسوء التغذية والمجاعة والموت.

   وهنالك عدد من الدول قد تجاوزت مجتمع الاستهلاك والرخاء والتمسك بعقلية الاستهلاك الاقتصادي وإتباع سلوكية عقلانية، ودخلت عصر مجتمعات التبذير الذي يقوم على الاستهلاك الفوضوي دون ضوابط، او تحاول أن تبقى في مكانة الترف الاستهلاكي للحيلولة دون لحاق المجتمعات الفقيرة بها أو للمحافظة على أسعار سلعها الدولية، فكثيرا ما نسمع برمي الأطنان من المواد الغذائية والاستهلاكية في البحار دون توزيعها على الدول الفقيرة أو تقديمها مساعدات لإنقاذها من أزمة الفقر والجوع (الغني يزداد غنى ويسلب الفقير ما يملك).

 أما الدول النامية فكثيراً ما يشغل ويسود العقلية الاستهلاكية هو التفكير في كيفية توفير الاحتياجات المادية والمتطلبات المعيشية، والسعي لاقتناء كل ما يستجد عرضه في الأسواق، أو في الإعلانات والدعايات التجارية في وسائل الإعلام المختلفة وتعرض المنتوج بشكل مؤثر وجذاب بميزات جديدة ومواصفات حديثة تتفوق كثيرا عن سابقاتها .

   وهنا يستشري فيروس الاستهلاك في نفوس المستهلكين الذين يسعون الى إشباع حاجاتهم ورغباتهم من خلال ما يرونه من تأثير لتحفيز الاستهلاك في وسائل الإعلان وقد يترك وراءه أخطر الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والفكرية خصوصا عندما لا تتوفر الإمكانيات المادية لإشباع الحاجات والرغبات المعيشية والذوقية لدى الأفراد وخصوصا شريحة الشباب الذي تستهويهم مباهج الحياة ومستلزماتها المبهرجة سعيا إلى التمييز والتقليد للآخرين الذين هم ليسوا من طبقتهم الاجتماعية أو إمكانياتهم المادية .

   وفي الواقع، فإنه ما من سلعة إلا ابتكر منتجوها وسائل للدعاية تغري المستهلك باقتنائها حتى أصبح الإنسان الحديث ليس مجرد كائن استهلاكي بل هو أيضاً متخبط في هذا الاستهلاك، وأحياناً مخدوع فيه.

     إن الكم الهائل من الإعلانات الدعائية هو أحد المقاييس الأمينة لنزعة الاستهلاك، وقد تؤثر كثيرا في توجيه الاستهلاك والتأثير فيه بصورة سلبية كونها تثير النزعة الاستهلاكية دون وجود إمكانية لاقتناء السلعة مكانيا او زمانيا او حيازيا، وقد يلجأ المنتجون والمسوقون الى البحث لإيجاد طرق ووسائل لتحفيز الاستهلاك لدى الأفراد من خلال خصم الأسعار او تقديم هدية عند شراء كمية كبيرة او إدخال خدمة إيصال السلعة المشتراة ضمن بطاقات اليانصيب من اجل حثهم على زيادة الاستهلاك.

   ومن خلال دراسات وتحقيقات عديدة، تبين أن الإعلانات التجارية تمارس دوراً كبيراً في خداع المستهلك، ودفعه للشراء والمزيد منه من خلال العرض المتميز للسلعة او استغلال الأطفال لتقديم الدعاية والإيحاء بصورة نمط الاستهلاك العقلاني من اجل تفعيل التأثير عليهم من قبل أفراد الأسرة.

ولم يخلُ مجتمع الاستهلاك من انتقادات عنيفة، مردها إلى نظرته المادية إلى الاستهلاك وعدم وجود مثل خلقية وثقافية، لتنمية الفرد وقدرته, فهذا المجتمع يجعل من الفرد أداة للاستهلاك دون أن يجعل منه انساناً حقيقياً.

Comments are disabled.