التسمية الشعبية للسلعة الاستهلاكية.. نظرة دلالية
كريم عبيد علوي
ثمة ظاهرة شائعة تتلخص فكرتها بظهور اسم شعبي بديل ومقابل للاسم التجاري للسلع الاستهلاكية بمختلف أنواعها من سلع معمرة وسلع ذات طابع استهلاكي بسيط وسريع وذلك على صعيد الاستعمال المحلي لهذه السلع. ولاشك أن وراء هذه الظاهرة أبعادا موضوعية هي المسؤولة عن هذه النزعة المولدة لتلك الأسماء الجديدة على الرغم مما يبذله المنتجون في مراحل تصميم السلع من دراسة للجدوى واستطلاع لذائقة المستهلكين وخبراتهم وأذواقهم كي يتبلور جهدهم التسويقي في اختيار اسم تجاري سهل وقابل للفهم والحفظ ويعكس الصفات النوعية لمنتجهم المسوق، وما يسبق ذلك من حملات ترويجية إعلانية تحاول ترسيخ هذا المنتج واسمه التجاري في أذهان المستهلكين كي يتحقق الإقبال الشرائي عبر تمييزهم له عن بقية المنتجات ذات المادة المصنعة نفسها .
وإذ يحقق هذا الاسم رواجا في الاستعمال عند الموزعين والوسطاء والمسوقين وبائعي المفرد إلا أن هذا الرواج يخفت بنحو ملحوظ بعد حين في دائرة الذائقة العامة للمستهلكين ولكن لا يختفي بنحو مطلق ليبرز اسم رديف يشف عن الذائقة والانطباع العام عن تصورات المستهلكين وخبراتهم إزاء هذا المنتج الجديد. فهنالك مفردات في السلع الاستهلاكية قد ينظر لكفائتها في الأداء الخدمي مثل مفردة (حرامي) التي هي بمعنى السارق وتطلق شعبيا على نوع من مضخات المياه (أحد ماركات ماركوز) يتم ربطه في شبكة المياه المنزلية لحظة شحة المياه فبعد تشغيله يفضي إلى سحب وتدفق المياه بصورة كبيرة وكأنه قد سرق المياه الموزعة من المنازل المجاورة وهناك تسميات ذات قيمة تعبيرية مثل (الملك) الذي ينعت به أحد أجهزة الموبايل النقال ذي الكفاءة العالية وكذلك يسمى جهاز آخر من أجهزة الهاتف النقال بـ(شيخ زايد) للسبب نفسه وهو من الشخصيات التي ترسخ تصورها في الذهن الشعبي بالتميز والتفوق في اجتلاب المدنية الحديثة والتطور لبلاده. لقد فطنت شركة الصناعات العراقية الوطنية إلى مغزى التسمية التعبيرية وشيوعها في الاستعمال المحلي الشعبي فأطلقت أكثر من تسمية على مضخات المياه المنزلية مستلهمة مرة الموروث الديني لتطلق تسمية (زمزم) إشارة لذلك النبع الثر الذي كان معجزة لانفجار الماء لنبي الله إسماعيل. كما أطلقت تسمية (أبو الغيرة) على نوع من المضخات والغيرة مفردة متداولة شعبياً تعني الحمية وبذل أقصى الجهد في أداء الشيء كناية أن هذا المنتج ذو كفاءة خدمية لايضاهيه آخر. وتلك التسمية تعبيرية و(التسمية التعبيرية) تعيّن الشيء نسبة إلى المتكلم عندما يعبر عن تقييمه العاطفي وعلاقته ورغبته أو ذوقه الجمالي، التي ينسبها إلي الشيء، لذلك نجد أن ألقاب الناس تلتصق بهم عادة أكثر من أسمائهم، لأنها تسميات تنبع من صفات معينة وجدها الناس فيهم. إن الشركات المصممة للسلع الخدمية فطنت إلى قيمة التسمية الإدراكية فانتهجت في تسمية بعض مكونات سلعها تسمية إدراكية ففي جهاز الكمبيوتر نجد أن إحدى مكونات الإدخال اليدوية تسمى بالماوس (الفارة) فهذا المكون يشبه الفارة نسبيا في الحجم وفي تكوين الشكل فضلا عن مناسبته الوظيفة في الأداء التشغيلي فحرية التنقل بين النوافذ وتنفيذ الايعازات تجري بيسر وسهولة وانسيابية مثل انسيابية الفار الحيوان الصغير الذي ينفلت سريعا متحركا ولايمكن الإمساك به وإذا كان من شأن تلك التسمية أن تميز هذا المكون بما تضمنت من إحالة لحقل خارجي ينزع لمشابهته مكون ملموس مادي خدمي فإلى جنب ذلك فان التسمية قد أفضت إلى شيء ثان لايقل أهمية في ذهن المنتج والمصمم على حد سواء وهو تحقيق الغرابة لدى المستهلك في تلقيه لهذا المسمى إذ تكتنف الغرابة طرافة في التسمية فالتسمية الادركية تسمي الشيء تبعا للصفات الخارجية والشكلية التي يلحظها مطلق الاسم. وللسيارات شعبيا ملمح واضح في تسميتها بأسماء الحيوانات فسيارة فولكسواكن الصغيرة سميت باسم السلحفاة (ركة) للشبه الخارجي. وهناك سيارات سميت بالدولفين وأخرى بالبطة حتى إننا نجد بعض الإعلانات التجارية يصور نوعا من موديلات اللاندكروز وقد انعطفت عن الشوارع الخارجية المبلطة للتحول إلى عنكبوت عملاق يجوب الكثبان الرملية كناية عن قدرة سيرها على الرمال وما ذلك إلى محاكاة إلى الحس الإدراكي الشعبي الذي يكون مثال الحيوان قريبا من تشبيهاته ونعوته واسمائه. ويمكن أن يعزى سبب التسمية الشعبية إلى صعوبة التلفظ عند تلك الأوساط بماركات أجنبية غالبا ما تكون مشفوعة بأرقام مكونة من وحدات الآلاف مع كل موديل مما يفضي لصعوبة في التفريق بين تلك السلع للماركة الواحدة بالاعتماد على حفظ الأرقام وخصوصا في أجهزة الموبايل فعمدت للتفريق بين تلك الموديلات عبر تشبيه شكلها الخارجي بمدركات حسية مألوفة وشائعة وسهلة التذكر والتمييز. وبنحو عام فإن النزعة الشعبية العامة تميل إلى الفكاهة والسخرية فابتكار اسم جديد للسلعة يلبي هذا الغرض في نفسها ويخلق طرافة في تذوقها واستخدامها للسلعة عبر اللغة نفسها وهذا الأمر لا يقتصر على أسماء السلع فحتى أسماء الأشخاص والأفراد تصّغر وتغيّر للتدِليل والتحبيب أو ربما للتهوين من الشخص وتظهر الألقاب التي تشعر بالمدح وأخرى تشعر بالذم إلى جنب الأسماء الحقيقية للأشخاص التي يقل تداولها قياسا بالألقاب الجديدة وهذا أمر فطن إليه فن الترويج التجاري فبات يركز على مشاهد الضحك والسخرية والنكتة في الإعلانات التجارية بدلا من الإغراء والإثارة كما فطن إليه المنتجون فراحوا يحاكون التسمية الشعبية في منتجاتهم.