حماية المستهلك بين الأجهزة الرقابية والشركات الفاحصة
خبير الجودة / طلال خالد حسين
حماية المستهلك والحفاظ على سلامته مسؤولية كبيرة ومهمة تقع على عاتق الجميع في المجتمع قيادة أو أفراد ولكل منهم دوره المهم والفاعل والمؤثر في هذه المسؤولية. ولقد اهتمت جميع المجتمعات على مختلف تتابع أجيالها منذ نشوؤة مفاهيم العشيرة والقبيلة ومن ثم تكون الشعوب وصولا الى الأمم بهذا الجانب. فقد اهتمت بهذه الفعالية حماية لشعوبها وجيوشها ومن ثم انتقالها الى بناء البنى الارتكازية الاقتصادية في القطاعين الزراعي والصناعي ليتوسع الى جميع مرافق الحياة الصحية والتعليمية والتجارية الخ. وحتى هذه اللحظة فان هذه الأمم تشاركت بتأسيس اللجنة العالمية لحقوق المستهلك في منظمة التقييس الدولية الايزو إيمانا من هذه الأمم بان حماية المستهلك رسالة تمتد من الماضي الى الحاضر باتجاه المستقبل تؤمن بان حماية المستهلك الأساس في ديمومة السلامة والصحة لكوكبنا.
وفي العراق ضمن هذا السياق كانت البذرة الأولى لحماية المستهلك مناطة بمديرية الصحة العامة التابعة لوزارة البلديات إبان تأسيس الدولة العراقية في بداية القرن الماضي ومن ثم تتطور هذه المهمة في الثلاثينات الى تشريع قانون الغذاء، وأنيطت مسؤولية هذا الجانب بوزارة الصحة العراقية التي تشكلت آنذاك وانحصار العمل بها بسبب محدودية الوزارات والوحدات الإدارية المشكلة آنذاك وفي الأربعينيات تشكلت العديد من الوزارات وبدأ النمو الاقتصادي المتمثل بالصناعة والزراعة ولكن الجانب الرقابي كان محدودا بسبب ضعف الموارد البشرية والإمكانيات المادية. وظل هذا الوضع على ما هو عليه لغاية 1955 حيث زار السيد رئيس الوزراء العراقي نوري باشا السعيد (رحمه الله) المملكة المتحد واطلع على دائرة تسمى بمصلحة الكيمياء وكانت جزء من جهاز الرقابة البريطاني فأمر بتشكيل دائرة المختبرات بمديرية الصناعة العامة والتي كانت تمثل وزارة الصناعة العراقية آنذاك.
وبسبب المرحلة التي مر بها العراق بعد سقوط الملكية وعدم وضوح الإستراتيجية الوطنية للسياسة العراقية وتصارع القوى في المرحلة اللاحقة، ظل هذا الجانب يتطور ببطء شديد وبقية الرقابة الصحية هي الهم الشاغل للجهات الحكومية متناسية الرقابة النوعية التي تشمل المنتجات والخدمات على حد سواء. ولغاية 1963 تشكلت هيئة المواصفات والمقاييس العراقية، وباشرت عملها عام 1967 ومن ثم لحق بها تشكيل مديرية البحث والرقابة الصناعية 1979 الذي تشكل من اندماج المديريتين الآنفتين الذكر والذي تولى مهمة الرقابة النوعية على المنتجات دون الخدمات (مناطة بتقييم الأداء من قبل ديوان الرقابة المالية!) وانحصر دور رقابة المنتجات الزراعية بوزارة الزراعة والغذاء بالصحة، وفي هذه الفترة صدرت العديد من القوانين والتعليمات من العديد من الجهات وتداخلت فيما بينها وتضاربت في بعض الأحيان وتقاطعت المسؤوليات ولولا وجود الحكمة والفطنة لدى القائمين على إدارة هذه المؤسسات في ظل الحرب الناشبة في الثمانينات لكن هنالك مشاكل كبيرة يدفع ضحيتها من يدير هذه المؤسسات علما بان هذا النوع من الإدارة تعمل عليه بعض الإدارات الحكومية لغرض عدم طمس أي معلومة وظهور المشاكل على السطح لتتولى جهة أخرى تقييمها لأغراضها الإستراتيجية المحددة لها، وفعلا بعد انهيار الدولة العراقية بسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 صعد على السطح هذه التقاطعات والتجاذبات بالمسؤولية وظهرت الصراعات من هو صاحب السلطة والقرار في جانب الفحص النوعي والصحي والسلامة والأمان بين دوائر ووزارات الدولة ولحد هذه اللحظة وظلوا حبيسي الأدوار التي كانت مرسومة لهذه الدوائر في الماضي رغم مشاركة العديد من منتسبيها لاحقا بدورة إعادة البنى التحتية في العديد من بلدان العالم المتقدم، وبذلك ضاعت حقوق المستهلك وبقيت شعارا بما في ذلك مجلس حماية المستهلك الذي ولد تشريعه ميتاً.
وبسبب هذا وذاك وبسبب الوضع الآمن غير المستقر، ونقول بسبب كل هذا لابد من وجود جهات فاحصة تحل محلهم ولابد من جهة تتحمل المسؤولية لإنقاذ المستهلك بادرت وزارة التخطيط والعراقية إبان حقيبة السيدات والسيد (علي بابان) الى الاستعانة بالشركات الفاحصة المحايدة العالمية وفق تجربة إقليم كردستان الرائدة في هذا المجال التي تم تطبيقها لفترة محدودة بسبب اعتراض الجهات المركزية في وقت سابق لتتبنها لاحقا وفق طريقة صاحبتها الكثير من المشاكل لتكون هي المنقذ لهذه المرحلة ولتسد الفراغ الذي وجد بسبب ما قلناه وبسبب انهيار البنى التحتية للعمل الفني المختبري وإمكانياته في الأجهزة الرقابية.