تنمية الثقافة الاستهلاكية
أ.م.د. محمد عبد الرزاق الصوفي
يواجه عالم اليوم متغيرات عدة تؤثر بشكل مباشر في سلوك الفرد واتجاهاته، وهي تسير بسرعة تفوق أي معدلات سابقة لها في تاريخ البشرية؛ مما يسهم في تشكيل ملامح عالم جديد له حضارته وثقافته ومؤسساته ومفاهيمه؛ إذ أصبح العالم قرية صغيرة وانفتحت الأسواق على مصراعيها أمام كل السلع وتسارعت وتيرة العلم والحياة في شتى الميادين، لذا فلا بد لنا من أن نواكب الركب حتى لا نتأخر أكثر مما نحن متأخرون، وعليه فقد أصبح تطوير التعليم والتوجيه من قائمة الأولويات المهمة في بناء كافة النظم والمؤسسات الدولية باعتباره المحرك الذي يدفع المجتمع نحو التقدم والتنمية؛ فالتربية السليمة تتطلب إكساب الفرد معارف وحقائق وقيماً ومهارات واتجاهات إيجابية تساعده على مواجهة متطلبات هذا العصر الحديث بما يتضمنه من متغيرات متلاحقة، ومن أهم هذه الاتجاهات هو حماية المستهلك عن طريق تنمية الثقافة الاستهلاكية من خلال الاتجاه نحو المستهلك وإكسابه مهارات ومعارف وقيم تساهم في تكوين الوعي الاستهلاكي، مما يساعد في تسريع عملية التطوير والتنمية ومساعدة المستهلك لنفسه ولبلده من اجل التطور والازدهار، وبالطبع فان هذا الوعي الاستهلاكي ليس فطريا يولد مع المستهلك وإنما هو وعي مكتسب، لذا فلابد من دراسته وممارسته وربطه بجوانب الحياة اليومية ومتطلباتها الأساسية لان مجتمعنا يتصف بميل عالي للاستهلاك يقابله ميلاً منخفضاً للادخار، وهذا يعني صغر الجزء الموجه للاستثمار والتركيز على الاستهلاك كهدف في حد ذاته وربطه بأسلوب الحياة، الأمر الذي جعل الناس يركزون على الاستهلاك بصرف النظر عن حاجاتهم العقلية فيصبحون في ظل هذه الثقافة أكثر تقليداً للآخرين وغير قادرين على اختيار ما يناسبهم من السلع المختلفة، ويصف مصطلح ثقافة الاستهلاك نهج الناس في شراء واستهلاك أكثر مما هم في حاجة إليه؛ وكلمة ثقافة تؤكد إن الكلام ليس عن أشخاص، بل عن ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار كما وانه مصطلح نقد للمجتمع الحديث ولعالم الإعلانات التي تشجع استهلاك منتجات عدة ومختلفة لسنا بالضرورة في حاجة إليها، وهو ما يؤدي إلى استهلاك مفرط وغير محسوب، ونتائجها قد تكون مدمرة للإنسان والبيئة على حد سواء، لذا ومما سبق في أعلاه يتضح أن إمكانية التحكم في توجيه الميل الاستهلاكي للمستهلك بناء على متغيرات عدة يمكن أن تشكل بناء ثقافة استهلاكية صحيحة من اجل تحقيق التنمية في المجتمع وذلك من خلال:
1. وضع مناهج تربوية حديثة تشجع على تنمية الثقافة الاستهلاكية الصحيحة واعتمادها بشكل رسمي في وزارة التربية العراقية والتركيز على تنمية هذه الثقافة بدءا من رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة والإعدادية لخلق جيل يمتلك ثقافة استهلاكية عالية يستطيع معها أن يبدأ حياته العملية بالشكل الصحيح فضلا عن وضع برامج خاصة تستهدف شرائح مختلفة من المجتمع العراقي من خلال نشر الثقافة الغذائية والدوائية الصحيحة وبيان الآثار السلبية لاستهلاك المواد الرخيصة وغير المأمونة من الأغذية والأدوية ونتائجها السلبية على المستهلك من الناحية الصحية والاقتصادية مما يؤدي في حالة تحقيق الهدف المنشود إلى تعزيز التنمية البشرية والمستدامة للدولة العراقية من خلال تقليل العبىء المالي عن كاهل الدولة الموجه إلى الخدمات الصحية واستثماره في مجلات أخرى عدة.
2. وضع برامج خاصة حول تنمية الثقافة البيئة للمستهلك من خلال التعامل الصحيح مع النفايات والتشجيع على اعتماد آلية تدوير النفايات ووضع جوائز مالية للمستهلكين المتميزين في إنجاح هذه البرامج وتسويقها الى المستهلك عن طريق المسئولين في الدولة العراقية من اجل خلق القدوة الحسنة نظرا لطبيعة الشعب العراقي.
3. استثمار جميع وسائل الإعلام والاتصالات المحلية من اجل الترويج لهذه الثقافة ويمكن أن يتم استقطاع تكاليفها من خلال المدفوعات المالية التي تقوم وسائل الإعلام والاتصالات بتأديتها إلى الجهات الحكومية.
4. إعادة العمل بنظام التغذية المدرسية للمراحل الدراسية الممتدة من رياض الأطفال وصولا إلى المرحلة الجامعية من اجل توجيه الطلبة خلال هذه المرحلة العمرية حول طرق التغذية الصحيحة والتعامل الصحيح مع النفايات من خلال تشجيع الممارسات الجماعية في هذه المدارس حول جمع وتدوير النفايات.
5. اعتماد يوم وطني في العراق يخصص للاحتفال بالمستهلك العراقي يتم من خلاله القيام بحملات توعية وتثقيف حول دور الثقافة الاستهلاكية الصحيحة في خلق جيل وبيئة أفضل للمجتمع العراقي.
6. وضع خارطة طريق لتحقيق الهدف الخاص بتنمية الثقافة الاستهلاكية ونشرها في المجتمع العراقي تمتد لمدة 5 سنوات يجري خلالها تقييم النتائج بعد السنة الأولى من تطبيقها ومراجعة النتائج المتحققة سنويا وبشكل دوري.