آثار وسائل الاتصالات الحديثة في ميزانية الأسرة العراقية خلال المدة (2004 – 2011)
(دراسة استطلاعية)

أ.م.د خليل إسماعيل إبراهيم
المقدمة
تواجه الأسرة العراقية منذ مدة طويلة تصاعداً متواصلاً في تكاليف المعيشة لأسباب عديدة، منها تصاعد مستويات الأسعار والظروف السياسية والاجتماعية التي ألمت بالبلاد إذ شهدت خلال المدة المنصرمة حروباً واضطرابات اجتماعية خلفت العديد من الأرامل والمعاقين فضلاً عن انتشار البطالة في أوساط الموارد البشرية، وقد أعقب التطورات السياسية التي ألفتها البلاد منذ عام 2004م انكشاف اقتصادي وذلك بعد إلغاء الضرائب على الاستيرادات وحصول توسع في الاستيرادات بعد رفع الحظر الجزئي عن الصادرات العراقية فقد أصبح بمقدور البلاد الحصول على موارد مالية جراء تصدير النفط العراقي مما ساعد على قيام البنك المركزي على أجراء مزاد علني لبيع الدولار في السوق مما رفع من قيمة الدينار العراقي ثم زيادة الاستيرادات، وكان من بين بنود الاستيرادات التي شهدت توسعاً واضحاً هي وسائل الاتصالات الحديثة مثل الهاتف النقال (الموبايل) أو (التلفون المتنقل) بأنواعه المختلفة وما يرتبط به من أجهزة مثل MP4 , MP3 كذلك أجهزة الحاسوب وأجهزة التلفزيون الحديثة (البلازما) والستلايت.
ومما لاشك فيه أن التطور في مختلف جوانب الحياة هو أمر مرغوب فيه، وأن الحصول على وسائل الاتصالات الحديثة هو كما يفترض أن يكون وسائل للوصول إلى غايات اقتصادية واجتماعية وليس غايات بحد ذاتها، بيد أن ما يلاحظ هو الاندفاع الكبير نحو هذه الوسائل ومحاولة استبدالها بمدد قصيرة من حامليها لاسيما الشباب منهم مما أصبح يشكل عبئاً واضحاً في ميزانية الأسرة العراقية .


الاستنتاجات والتوصيات

أولاً : الاستنتاجــات :

1. هناك تغيرات تقنية (تكنولوجية) وسياسية وعلمية أدت الى زيادة الطلب على وسائل الاتصالات الحديثة مما حمّل الأسرة العراقية أعباء مالية متزايدة.
 2. من أسباب زيادة طلب الأفراد بصورة عامة على وسائل الاتصالات الحديثة لاسيما الهاتف النقال (الموبايل) هو تراجع المهام الخدمية والرقابية للحكومة، مثل تراجع مهام الحكومة في توفير الهاتف الأرضي أو في تقنين الاستيرادات بما يعود على الاقتصاد والمجتمع بالنفع العام ، وكذلك في تراجع مهام الحكومة في تنظيم عمل الشركات المقدمة لخدمات الهاتف النقال والانترنيت مما زاد من الاعباء المالية للأسرة العراقية .
3. بالاضافة للاعباء المالية المتزايدة التي تتحملها الأسرة العراقية هناك مخاطر اجتماعية تتمثل في غياب أو ضعف الرقابة الاجتماعية (الأسرة ، المجتمع ، الحكومة) واضطلاع هذه الجهات بمهمة التثقيف والتوعية بمخاطر الإسراف في زيادة الطلب على المشتريات من وسائل الاتصالات .
4. يعاني الكثير من الشباب والمراهقين من فراغ وضعف الرقابة والتوجيه لذا يميلون الى ملء هذا الفراغ بوسائل غير نافعة في كثير من الأحيان لاسيما في مجال وسائل الاتصالات الحديثة ، مما يعود عليهم بأضرار وعلى العائلة بتحمل تكاليف متزايدة .
5. يبدو أنَّ غياب المؤسسات المدنية الاجتماعية مثل مراكز الشباب عن المناطق السكنية وما توفره من خدمات ترفيهية واجتماعية وعلمية ومنها خدمات الحاسوب زاد المخاطر الاجتماعية على الشباب وأدى إلى ارتفاع التكاليف المالية التي تتحملها الأسرة العراقية .
6. ومن أسباب زيادة التكاليف المالية التي تواجهها الأسرة العراقية تراجع الدعم المالي للطلبة في مجال الحصول على الكتب المنهجية واستنساخ المحاضرات باجور مناسبة داخل الجامعات ، مما يضطرهم الى شرائها باسعار مرتفعة أو محاولة الحصول عليها من أقرانهم عبر وسائل الاتصالات (الهاتف النقال والانترنيت).
7. ومن أسباب زيادة التكاليف المالية التي تواجهها الأسرة العراقية ضعف المهام الرقابية لوزارة التربية ومديرياتها العامة في الاشراف على المدارس، إذ يلاحظ ان الكثير من المدارس لا تقوم باكمال المناهج الدراسية وتدني مستوى التدريس فيها، مما يضطر الطلبة الى الانخراط في دورات التقوية الخارجية وصرف مزيد من الوقت في الاتصال مع زملائهم بوساطة الهاتف النقال والانترنيت، لأجل المناقشة والاستفسار عن بعض الحلول لما يواجههم من مشاكل .
8. يبدو أنَّ الظروف الأمنية غير المستتبة والتكاليف الاقتصادية المتصاعدة التي تواجهها أكثر الأسر العراقية جعلت هذه الأسر حبيسة المنازل ولم يبقَ لها من نوافذ لملء فراغها إلا وسائل الاتصال لاسيما التلفزيون والموبايل والانترنت مما يحملها المزيد من الاعباء المالية .
   9. أنَّ مدة البحث (2004-2011) شهدت زيادة دخول الكثير من الأسر العراقية وذلك بارتفاع الأجور والرواتب في القطاع الحكومي وزيادة انفاق الدولة على مشاريع الخدمات مما عاد على بعض الاسر بدخول متزايدة ورافق ذلك تدني مستوى الوعي الاستهلاكي، مما زاد أنفاق هذه الأسر في وسائل الاتصالات .

ثانياً : التوصيـات :
لأجل التخفيف من أعباء الكثير من الأسر العراقية أثر زيادة الأنفاق في وسائل الاتصالات فانه لا غنى عن :
   1. اضطلاع الحكومة بمهامها الاجتماعية وتحمل بعض التكاليف الخاصة بوسائل الاتصالات ، مثل تأمين وسيلة الاتصال عن طريق الهاتف الارضي بتكاليف منخفضة .
2. قيام الدولة بتنظيم عمل الشركات التي تقدم خدمات الاتصالات عبر الهاتف النقال والانترنيت وذلك بوضع رسوم ضريبية مناسبة في هذا المجال .
3. قيام الدولة بالمساهمة أنشاء تشكيلات اجتماعية عامة مثل مراكز الشباب والنوادي والمكتبات والمستشفيات ورفدها بخدمات الاتصال كالهاتف الارضي ومنظومة الانترنيت باجور مناسبة .
 4. الاهتمام بطلبة الكليات والمعاهد الذين يعدون الشرائح الاجتماعية الكبيرة والفاعلة التي يتزايد طلبها على وسائل الاتصالات ، وتوفير خدمات الاتصالات لهم بأجور مناسبة مساهمة من الدولة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتخفيف الأعباء عن كاهل الأسر المحدودة الدخل والفقيرة .
5. اضطلاع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني المتعددة بمهامها في مجال خلق وتعزيز الثقافة الاستهلاكية للمواطن كي لا يكون فريسة سهلة الاصطياد والوقوع في شباك الاعلانات التجارية والاكتفاء بالحاجات الضرورية بصورة عامة وفي مجال وسائل الاتصالات بصورة خاصة باعتبارها من البضائع الرائجة في هذا العصر .
6. قيام الدولة بتفعيل تقنيات تحجب الأعلانات المضللة لمنع شركات الاعلانات العالمية من استعمال وسائل الخداع البصري والسمعي الضارة اجتماعياً واقتصادياً .

Comments are disabled.